تمكن فريق بحثي من جامعة ستانفورد الأمريكية المرموقة من بناء اول معالج كمبيوتر تجريبي مبسط باستخدام مادة الكربون نانوتيوب بدلاً من مادة السليكون التقليدية. ويعد هذا فتحاً علمياً يبشر باستمرار الحواسيب في مضاعفة سرعاتها والتقليل من استهلاكها للطاقة. ولمعرفة ما لهذا الإنجاز من أهمية دعونا نطلعكم بقليل من التوسع عن التقنية المستخدمة حاليا في بناء المعالجات وما يصاحبها من عيوب تعيق من امكانيتها لمواكبة الطلب اللا منتهي للسرعة.
تتكون معالجات الكمبيوتر من ملايين الوحدات الصغيرة وظيفتها التحكم في جريان التيار الكهربائي يطلق عليها ترانزسترات. هذه القدرة الفريدة على التحكم بالتيار الكهربائي سببها المواد شبه الموصلة المستخدمة في صناعة الترانزسترات كالسليكون. يسعى المصنعون مثل شركة إنتل وأي أم دي دائما لزيادة سرعة المعالجات بعدة طرق، من أبرزها زيادة تردد تدفق الطاقة الكهربائية ومضاعفة عدد الترانزسترات. لكن تبقى المشكلة الأكبر التي تحد من تسريع المعالجات هي زيادة استهلاك الطاقة والتي يصاحبها ارتفاع في درجة الحرارة. حيث ان زيادة تردد المعالجات لسرعات عالية قد يتسبب في احتراق المعالج. كذلك مضاعفة عدد الترانزسترات بتصغير حجمها يؤدي إلى مضاعفة الطاقة المطلوبة وبالتالي مضاعفة الحرارة الناتجة. الحل الذي ابتكره المهندسون لهذه المشكلة في السنوات الأخيرة هو تقسيم المعالج لعدة انوية مما ينتج عنه زيادة في السرعة مع المحافظة على مستوى استهلاك مناسب للطاقة.
لكن على الرغم من كل هذا التطور التقني والعلمي، يتوقع العلماء ان لا يستمر تطور المعالجات على نفس المنوال، وذلك بسبب طبيعة مادة السليكون الفيزيائية التي لا تساعد على صناعة ترانستورات بأحجام أصغر من حد معين. حيث اعترفت شركة إنتل مؤخراً ان الطريق بعد تقنية تصغير الترانزستور إلى ١٠ نانو متر والتي سوف تستخدم في صناعة المعالجات في عام ٢٠١٥ غير واضحة، علماً ان أصغر حجم مستخدم حالياً هو ٢٢ نانو متر. هنا تكمن اهمية الأنجاز الجديد الذي تطرقنا له في البداية. فمادة الكربون نانو تيوب التي تم تركيبها بتقنية النانو يمكن استخدامها لانتاج ترانزسترات متناهية في الصغر، أصغر بكثير من ما يمكن تصنيعه من السلكون. كذلك تتميز هذه المادة بفاعليتها الفائقة في توصيل الكهرباء، تتفوق بمراحل على مثيلتها في مادة السليكون، مما ينتج عنه زيادة في السرعة والتقليل الملحوظ في استهلاك الطاقة.
إن مادة الكربون نانوتيوب ليست جديدة، لكنها تواجه مجموعة من الصعوبات التي حالت دون استخدامها كمادة شبه موصلة لصناعة المعالجات. من أهم هذه الصعوبات هي حجم جزيئات المادة المتناهية في الصغر والذي يصعب معه صناعة رقائق الكترونية خالية من الأخطاء. لحسن الحظ، الباحثين في جامعة ستانفورد تمكنوا من حل أهم هذه المشاكل وذلك بتطوير طرق تصنيع جديدة وبكتابة خوارزميات برمجية تقوم باكتشاف الأخطاء وتصحيحها.
حتى الآن ما زال من المبكر صناعة معالجات يمكنها القيام بعمليات معالجة معقدة بمستوى تلك التي تقوم بها كمبيوتراتنا المكتبية اليوم، لكنها في يوم ما ستكون قادرة على ذلك وأكثر.